هل يجب على الاتحاد الأوروبي أن يحظر الكاميرات التي يمكنها التعرف وجه شخص ما يتحرك ضمن حشد كبير؟
تحالف سياسي كبير في أوروبا يعتقد ذلك، بل لقد تلقّى للتو دعمًا لا بأس به من ثالث أكبر مجموعة في برلمان الاتحاد الأوروبي. فالأغلبية في البرلمان تدعم في الوقت الراهن حظر تقنية التعرف على الوجه التي تفحص الحشود بشكل عشوائي وبصورة متواصلة.
وثيقة قانون المسؤولية المدنية الجديد لتطبيقات الذكاء الاصطناعي خطوة رائدة نحو تقنين البرامج والأجهزة الذكية. تقول حركة رينيو الليبرالية: “سنحظر ما نعتقد أنه لا يتوافق مع قيمنا. كأوروبيين، إننا بحاجة إلى التحرر من مخاطر المراقبة الجماعية”.
معارضو تقنية التعرف على الوجه يقولون بأن مثل هذه الوسائل لا تحبذها إلا أنظمة استبدادية مثل روسيا والصين بغرض تتبع المنشقّين أو الأقليات غير المرغوب فيها، وهي في نهاية الأمر تشكل تهديدا على الحريات المدنية، كما يشيرون إلى مخاطر التنميط العنصري وانتهاك الخصوصية، مما دفع الشركات الكبرى من أمثال IBM و Amazon و Microsoft إلى تعليق بيع أدوات التعرف على الوجه للحكومات.
مع ذلك فإن حماس المشرّعين في الاتحاد الأوروبي لحظر هذه التقنية من المرجح أن يلقى معارضة شديدة من بعض الدول التي تريد الاحتفاظ بها لأغراض أمنية.
يعمل وزراء الداخلية في الاتحاد الأوروبي بجد لكيلا يقيد قانون الذكاء الاصطناعي أيديهم. وبينما تمنع المفوضية الأوروبية استخدام تقنية التعرف على الوجه في الأماكن العامة للشركات، فقد منحت الجهات الأمنية استثناءات واسعة لاستخدام هذه التقنية، لا سيما في بعض الحالات الخاصة مثل البحث عن الأطفال المفقودين أو منع أي هجمات إرهابية محتملة أو تحديد موقع مجرمين أو مسلحين.
بالنسبة إلى أعضاء حركة رينيو الليبرالية ازداد الدعم للحظر ببطء رغم بعض الشكوك في البداية. لكنهم الآن يصطفون إلى جانب المشرعين اليساريين في الدعوة إلى حظر هذه التكنولوجيا. يقول تودوراتش، الذي شغل سابقًا منصب وزير الشؤون الداخلية في رومانيا “لقد تغير المزاج في مجموعتي، هناك أغلبية تؤيد فكرة الحظر”.
المفاوضون البارزون في البرلمان بشأن قانون الذكاء الاصطناعي الجديد، لا يرغبون في منح الشرطة إعفاءات في استخدام هذه التكنولوجيا، لأن ذلك سيشكل “صعوبة بالغة في الرقابة والمساءلة” كما يقولون.
جدير بالذكر أن خوارزميات القياسات الحيوية التي تهدف إلى مطابقة الوجوه مع قواعد البيانات تستطيع استخدام الشبكات الحالية للكاميرات العامة، وهو ما يثير قلق هيئة مراقبة حماية البيانات الأوروبية التي دعت العام الماضي إلى حظر تقنية التعرف على الوجوه في الأماكن العامة، محتجة بأن استخدام هذه التقنية يتعارض مع الحقوق الأساسية للخصوصية وحرية التنقل.
يقول دانيال لوفر، الناشط في منظمة “أكسس ناو” غير الحكومية: “إذا سُمِح باستخدام هذه التقنية لأغراض استثنائية، فهذا يعني أن البنية التحتية ستظل موجودة، وأنت كمواطن لن تعرف أبدًا ما إذا كانت هذه البنية قيد العمل أم لا. هذه التكنولوجيا ليس لها مكان في مجتمع ملتزم بالديمقراطية والحقوق الأساسية.”
المشرعون الليبراليون أقرب إلى الوسط من زملائهم في اليسار، الاشتراكيين والديمقراطيين والخضر، الذين يذهبون إلى أبعد من ذلك ليصل الأمر بهم إلى الدعوة إلى حظر أي نوع من أنواع تقنيات التعرف على الوجه، بل حتى إلى حظر إنشاء قواعد بيانات بيومترية تجمع الصور من وسائل التواصل الاجتماعي.
أدى الإجماع المتزايد في البرلمان الأوروبي إلى عزل المشرعين من يمين الوسط الذين كانوا يدفعون في اتجاه معاكس لإفساح المجال أمام قوات الأمن لاستخدام تقنية التعرف على الوجه.
التحدي الحقيقي الذي يواجه مؤيدي حظر هذه التقنية يأتي من قبل بعض دول الاتحاد، وعلى رأسها فرنسا، التي تشعر بالقلق من أن حظرا كهذا قد يضعف الأمن العام بشكل ملحوظ. مع ذكريات جديدة للهجمات الإرهابية في السنوات الأخيرة وخطط استضافة الأولمبياد العام المقبل، تريد باريس أن تمتلك كل الأدوات التي تمكنها من إقرار الأمن على أراضيها.
يؤيد قضاة فرنسيون المحكمة الإدارية العليا قائلين إنه سيكون من الخطأ حظر تقنية يمكن أن تساعد في التعرف على إرهابي ضمن حشد كبير خلال حدث جماهيري.
وبينما تضغط ألمانيا لفرض قيود صارمة على هذه التكنولوجيا، تعمل حكومات الاتحاد الأوروبي على التأكد من ألا يمنع القانون الجديد رجال الأمن من القيام بمهامهم كما ينبغي.
وسط نقاشات محتدمة تضغط العواصم الأوروبية لإضافة المزيد من الاستثناءات في ثنايا نص القانون المرتقب. فهم لا يرغبون في التنازل عن إمكانية العثور على ضحايا الاختطاف والتعرف على المجرمين، كما يريدون أن يروا شرطتهم قادرة على منع أي “تهديد كبير” للبنية التحتية من خلال استخدام هذه التقنية.
تؤكد الليبرالية الألمانية سفينيا هان أن مفاوضات متوترة لا تزال تجري حول هذا الموضوع الحساس مضيفة بأن هذه “ستكون واحدة من أعنف ساحات القتال. يعتقد بعض المسؤولين أن تقنية التعرف على الوجه عصا سحرية وفرصة لا ينبغي تضييعها في محاربة الجريمة، ولكنها ليست كذلك، فهناك مخاطر كبيرة لممارسة التمييز العنصري من خلال هذه التقنية.”