حرب أكرانيا وتساؤلات حول موقف تركيا

منذ أن اجتاحت روسيا أكرانيا في الرابع والعشرين من شهر فبراير تغيرت أمور كثيرة على المشهد السياسي في العالم. الاجتياح حرك المياه الراكدة. إنها لحظة فاصلة في التاريخ الحديث لا شك في ذلك. هناك مراجعات حقيقية على مستويات عديدة. لوحة الشطرنج العالمية تشهد مناورات سوف يكون لها تداعيات عديدة على المدى القريب والمتوسط.

من الدول التي تلفت النظر في هذه الفترة تركيا. ما موقف تركيا من الاجتياح الروسي لأكرانيا؟ هل هو واضح بما فيه الكفاية؟ هل تقف إلى جانب المعسكر الغربي الذي انضمت إليه طواعية في منطلق الخمسينات من القرن الماضي خشية من الاتحاد السوفياتي آنذاك، أم أنها حصان طروادة داخل المعسكر الغربي تعمل لصالح روسيا بطريقة ذكية، أم أنها لا تقف إلى جانب هذا ولا ذاك، بل تقف إلى جانب نفسها وتنظر في مصلحتها، فتحاول أن تبقي على ودها مع الطرفين حتى تجني أكبر قدر ممكن من الأرباح؟ أم أنها تقف على الحياد تماما؟

الدول الغربية توقعت من تركيا أن تتصرف مثل بقية الشركاء؛ فتركيا عضو في حلف الناتو، وكذلك تتفاوض مع الاتحاد الأوروبي لتحصل على العضوية الكاملة فيه. نظرة سريعة إلى أعضاء حلف الناتو وكذلك إلى دول الاتحاد الأوروبي تطلعنا على موقفهم الرافض من اجتياح روسيا لأكرانيا، فردة الفعل شديدة قطعا منذ لحظة الاجتياح حتى اليوم.

الجميع يريد أن يعرف الصف الذي تقف فيه تركيا. وحرب أكرانيا ستكشف عن ذلك بكل وضوح.

لكن تركيا لا تتصرف كما يتصرف أعضاء المجموعة الأوروبية أو حلف الناتو. فالمعسكر الغربي فرض عقوبات واسعة النطاق على روسيا إلا أن تركيا أعلنت أنها لن تشارك في تنفيذ هذه العقوبات. كذلك عندما تم التصويت في مجلس أوروبا لتعليق عضوية روسيا كانت تركيا الدولة الوحيدة التي امتنعت عن التصويت. ثم لما قررت الدول الأوروبية بإغلاق مجالها الجو للطيران الروسي تركيا لم تر بأسا في ترك مجالها مفتوحا، أضف إلى ذلك فتح شواطئها لسفن رجال الأعمال الروس الذين جمدت الدول الأوروبية حساباتهم بسبب قربهم من الرئيس الروسي بوتين، بل وذهب بعض المسؤولين الأتراك إلى تشجيع هؤلاء للاستثمار في تركيا. القائمة تطول.

في المقابل تركيا نددت بالاجتياح الروسي في الاجتماع الطارئ الذي انعقد في الأمم المتحدة، كما أنها واصلت في بيع طائرات مسيرة إلى أكرانيا، وقد كبدت تلك الطائرات القوات الروسية خسائر فادحة كما عبر عن ذلك المسؤولون الأوكرانيون مرارا. ثم حاولت تركيا أن تجمع بين طرفي النزاع على طاولة الحوار مرارا أملا في الوصول إلى هدنة أو سلام أي حل ما.

مهما يكن، تركيا لا تبدو متحمسة للوقوف إلى جانب حلفائها الغربيين، وهناك استياء من ذلك لا يخفيه الغربيون من محافل مختلفة. مستوى الثقة بتركيا يتراجع يوم بعض يوم. وتركيا هي السبب في فقدان هذه الثقة. مؤخرا حلف الناتو يريد أن يضم السويد وفنلندا إلى الحلف كأعضاء جدد، لكن تركيا هددت بالتصويت ضد ذلك، وهو ما أدى إلى انزعاج كبير لدى أعضاء الحلف.

ثم هناك منظومة الدفاع الصاروخي الروسي س ٤٠٠ التي اشترتها تركيا من روسيا رغم المعارضة الغربية الشديدة، ثم نيتها في شراء الدفعة الثانية من المنظومة، كل ذلك لا يتلاءم مع بلد عضو في حلف الناتو.

حرب أكرانيا اختبار صعب بالنسبة لتركيا التي استطاعت أن تلعب كبهلوان على حبلين خلال العشر سنوات الأخيرة. لقد استطاع أردوغان أن يستغل خلافات الدائرة بين روسيا والغرب لصالحه، لكن الوضع في الوقت الراهن يبدو مختلفا تماما. لا مجال للعب على حبلين. فالجميع يريد أن يعرف الصف الذي تقف فيه تركيا. وحرب أكرانيا ستكشف عن ذلك بكل وضوح. وبالتأكيد سيكون لذلك تداعيات على مستقبل تركيا.